الثلاثاء، 17 أبريل 2012

المرأة بعد الخمسين

 يقول الشيخ الطنطاوي رحمة الله ....نظرت في التقويم فوجدت أني أستكمل اليوم (23جمادى الأولى 1379هـ) اثنتين وخمسين سنة قمرية، فوقفت ساعة أنظر فيها في يومي وأمسي، أنظر من أمام لأرى ما هي نهاية المطاف، وأنظر من وراء لأرى ماذا أفدت من هذا المسير. وقفت كما يقف التاجر في آخر السنة ليجرد دفاتره ويحرر حسابه، وينظر ماذا ربح وماذا خسر.... وكذلك نحن إذ نعدو على طريق الحياة؛ نستبق كالمجانين ولكن لا ندري علامَ نتسابق، نعمل أبداً من اللحظة التي نفتح فيها عيوننا في الصباح إلى أن يغلقها النعاس في المساء، نعمل كل شيء إلا أن نفكر في أنفسنا أو ننظر من أين جئنا وإلى أين المصير!  جردت دفاتري، أرى ماذا طلبت وماذا أُعطيت. .....يا أسفي! لقد مضى أكثر العمر وما ادّخرت من الصالحات، ولقد دنا السّفر وما تزوّدتُ ولا استعددت، ولقد قَرُبَ الحصاد وما حرثت ولا زرعت.....

إذن فكيف هو الحال بالمرأة الخمسينية كيف هو الحال بها عندما تقف لتتأمل ما مضى من العمر .فالرقم 50 رقم يخيف النساء ويقض مضاجعهن، فما إن يقترب عمر الواحدة منهن من هذا الرقم حتى تستبد بها الهواجس وتتزاحم الأفكار.... ومع ذلك يختلف الأمر من امرأة لأخرى  فالمرأة المثقفة تعتبر هذا السن انتفاضة أمل، إذ يملأ الحماس قلبها والمشاريع بالها، وتضع خبراتها في خدمة الآخرين، وقد تكتشف المرأة في هذه المرحلة أنها تتمتع بحرية أكثر، فتتخلص من العديد من الأعباء، وتزاول أنشطة جديدة عديدة ومفيدة..

أما المرأة ذات الثقافة المتواضعة، فتشعر بأن دورها انتهى، فبعد أن كانت تدير دفة البيت وتنعم بعطف وحنان وخضوع أبنائها كلهم، تشعر الآن وكأنها أزيحت عن مقعدها،وهنا تسيطر عليها الحسرة . وتكثر الخلافات حولها، وتقلق من حولها، وتمثل دور المكتئبة المريضة لكي تستدعي الاهتمام. وقد تشتد حالة هذه المرأة النفسية، فتصل إلى الذهان الخاص بمرحلة الشيخوخة المتقدمة، فيحصل نوع من الهذيان الفكري المسمى الزَوَر (البار انويا) حينئذ تحتاج إلى علاج.  وهناك من ضمن الاضطرابات العقلية احتمال حصول الهوس الاكتئابي المصطحبة بآراء الإفلاس المادي والمعنوي، واتهام النفس ،واختلال الشعور العاطفي، فلا يثقن بعائلاتهن، وقد تؤدي هذه الحالة في بعض الأحيان إلى الخرف .و نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية دراسة علمية تؤكد انخفاض معدلات الاكتئاب الناتج عن أزمة منتصف العمر مع بداية دخول مرحلة الخمسينيات. وتبشر الدراسة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 30 والـ 40 عاما والذين يشعرون بالفراغ والضغوط مما يتسبب في شعورهم بعدم السعادة بأن ذلك ليس منتهى المطاف، حيث إن الفرصة ما زالت قائمة للسعادة. ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الناس عادة يشعرون بحياة أفضل وأكثر حيوية فيما بعد سن الـ 50 حتى لو عانوا من انخفاض دخولهم في مرحلة منتصف العمر ، و تم التوصل إلى هذه النتيجة بعد مسح أجرته دراسة عن السعادة في بريطانيا وسويسرا وألمانيا بالتطبيق على دورة حياة الناس. وتذكر "ديلي ميل" أن منحنى السعادة يأخذ شكل حرف "u" وهو ما يشير إلي أن الشخص يصبح أكثر رضا عن حياته في المرحلتين العمريتين العشرينيات وبعد الخمسينيات، أما في المنتصف تأتي مرحلة الانخفاض. ويكون ذلك  في حالة التعرض لفقدان شخص قريب أو التعطل عن العمل أو عدم وجود الكفاية المادية استعدادا للتقاعد ...الخ من الأسباب . وليس لدى العلماء تفسير لهذا الارتفاع المفاجئ بعد سن الـ 50 ولكن هناك اعتقادا بأن الناس تصبح أكثر سعادة عندما تصل تلك المرحلة التي يتميز فيها الفرد بالحكمة والتكيف مع تطلعات الحياة.  فالمرأة الجادة التي استغلت شبابها في أمور مفيدة ستجد نفسها وهي في الخمسين تجني ثمرة جهدها. وسيكون أمامها متسع لتقوية إيمانها بختم القرآن مرات عديدة وأداء الحج والعمرة والاهتمام بالنوافل بشكل اكبر مما سبق. نعم هناك نساء يعانين في هذه السن، ولا يجدن لأنفسهن مكاناً دافئاً..  لكن كما قلت النقطة الفاصلة في الأمر هي أن كل امرأة تحصد ما زرعته في سابق عمرها. .  وقد ذكرت صحيفة "الرياض"، الاثنين 9 مايو/أيار2011م، أن الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن بمحافظة الجبيل بالمنطقة الشرقية بالسعودية؛ شهدت "تخريج سيدة سعودية في العقد الخامس من العمر، أمية لا تقرأ ولا تكتب، أتمَّت حفظ كتاب الله تعالى كاملاً".

وأخيرا إن من المفروض أن المرأة في هذه السن عادة تتمتع بالحيوية والنشاط، وكثير من النساء ممن تجاوزن مرحلة الشباب تلمع أسماؤهن كما تلمع أسماء الرجال. فدماغ المرأة يحتوي على العدد نفسه من الخلايا العصبية الذي يحتوي عليه دماغ الرجل،لذلك فالمرأة بعد الخمسين تحتاج إلى نشاط رياضي، ثقافي، اجتماعي. والالتحاق بمدارس تحفيظ القرآن الكريم، والجمعيات الخيرية والنوادي الأدبية والأعمال التطوعية لتقضي فيه وقت فراغها،و تقضي على الفراغ والوحدة الذي تعيشه فتشعر بالنشاط والحيوية والرضي والسعادة وحب الناس والعطاء.. ففي العطاء سعادة ورضى.

خاطرة: اتخذ طاعة الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق