الثلاثاء، 15 مايو 2012

المخطوطات العربية في ظل التاريخ


لا يمكن لأي باحث في الدراسات التاريخية القديمة أو الحديثة،العبور إلى عالم المخطوطات، من دون السلوك في مسارات شائكة وخطيرة، قد تؤدي إلى التهلكة، ومع حاجة الباحث للمادة. إنما بقي محافظاً على مساره غير آبهٍ ولا مهتمٍ بوعورة الطريق، ومع تزايد المعارضين لأفكاره العقلانية، والتي تدعو إلى التنوير والوعي والتلاقي مع الآخرين، راغباً بتقديم ما توصل إليه من علوم معرفية وفكرية خدمة لأبناء وطنه، لكونه الأكثر حرصاً على التراث العربي والإسلامي ... هذا التراث الذي يشكل قاعدة وأساساً متيناً للحضارة العربية والإسلامية، التي انطلقت تجوب جهات الدنيا لتنشر العلوم والمعرفة .. وقد شكلت بحراً زاخراً من المعلومات، أرست دعائم بناء الحضارة في الغرب، لتكوين مناهج علمية متقدمة علينا، وليظل السؤال الحائر والضارب كالناقوس في متاهات التاريخ يلاحقنا:

(لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب)؟
والخلل الواضح في طريقة ضياع المخطوطات العربية والإسلامية ، وفقدان كنوز مهمة كان لها حضور في كتابة التاريخ والفلسفة والرياضيات ، فمن الواجب التنبه لأهميتها، والبحث عن طريقة لمعالجة الأخطاء التي أدت لإهمالها، وإهمال دورها الرائد في إعداد الأجيال العربية، بعد ضياع ثروة علمية وفكرية وأدبية ذات أهمية بالغة من تراثنا، الأجيال التي ستسألنا عن «هدر وضياع المخطوطات، والتي تُعتبَرُ كنوزاً لا تقدر بثمن موجودة في مكتبات ودور النشر والمتاحف الغربية». كما كان للباحث دور بارز في كشف تلك الكنوز المفقودة .. والكشف عن أسماء علماء وأدباء وأطباء عرب قدموا الكثير في إيجاد حالة من الوعي الثقافي لدور هذه الكنوز شبه المنسية، وقدموا حياتهم الاجتماعية والعلمية والأدبية في سبيل نشر المعرفة . فيقول: (لا ينكر عاقل فضل ما تركه أسلافنا من مخطوطات في العلوم ، فهو بحق يعدُّ من أروع كنوز الحضارة الإنسانية ، هذا التراث الذي بفضله تمت حركة الإحياء ، وتمَّ معها التحول التاريخي الحاسم للحضارة من الشرق إلى الغرب )؟! ومن  الأسباب التي أدت لضياع هذه الثروة  :
الجيوش الاستعمارية... لقد حرقت تلك الجيوش الغازية تراثنا وخاصة عند سقوط الأندلس،حرقوا مئات بل آلاف المخطوطات العربية والإسلامية والتي لاتقدربثمن ,كما فعل الإسبان في مدينة سبته بالمغرب 1414م
وعندما خرج الفرنسيون من الجزائر أفرغوا دار الكتب الوطنية، وأدعو أنها أُحرقت .
وفي مصر عندما عاد ملك فرنسا لويس التاسع من حروبه الصليبية نقل معه من مدينة دمياط مخطوطات عربية وقبطية زيَّن بها خزائن قصره.
وفي بلاد الشام، التي عرفت أعظم نكبة في مكتباتها وهي نكبة طرابلس ، التي أحرق فيها الصليبيون أكثر من ثلاثة ملايين مخطوط.
والمصيبة الكبرى كانت على أيدي العثمانيين خاصة في مصر والشام ، فقد نقلوا الكنوز والمخطوطات وأصحاب المهن إلى الأستانة .
ثم جاءت البعثات البابوية التي نقلت بدورها عدداً كبيراً من المخطوطات العربية إلى مكتبة الفاتيكان منذ ( القرن 15 م ) وعلى رأسهم البابا سكستس الرابع ( 1471 – 1484 م )
الطرق الدبلوماسية:
وهي من أهم طرق جمع المخطوطات والآثار العربية عند الغرب ، فقد سعت السفارات والقنصليات إلى استخدام ممثلين وبعثات تجارية لشراء المخطوطات ونقلها إلى الغرب ، بترخيص من الدولة العثمانية ومنهم : المستشرق الألماني (هارثمان ت 1919م) الذي كان يعمل قنصلاً في بيروت وسورية وغيره من السفراء الغربيين .
كذلك رحلات المستشرقين، حيث لعب المستشرقون دوراً فاعلاً وكبيراً في نقل المخطوطات والآثار العربية للغرب .. (مكتبة جامعة ليون وجامعة ليدن) ومنهم (أغناطيوس كراتشكوفسكي،يوهن لودفيك بركهات، غريفتي، لويس ماسنيون، دي لايروت)، وغيرهم من المستشرقين الذين استطاعوا شراء المخطوطات أو الحصول عليها، بطرق غير سليمة ونقلها لأوروبا، والعرب والمسلمون يتفرجون على تلك الكنوز ..وربما هناك من يتباهى أنه جمع ثروات طائلة من نتائج بيع تلك المخطوطات، وهو لا يعرف، أو يعرف الخسارة الكبيرة التي لحقت بالأمة العربية والإسلامية .. وكثير من الحكام والملوك العرب وبعض المسؤولين قدم تلك الآثار والتحف واللقى والمخطوطات على شكل هبات وهدايا ، لقد لعب سلاطين الدولة العثمانية وولاتها وأعيانها وعلماؤها دوراً كبيراً في نقل المخطوطات العربية إلى الغرب عن طريق الهدايا .
كما لعب بعض تجار المخطوطات العربية وبعض أمناء المكتبات دوراً في بيعها للغرب . والمخطوطات سميت بهذا الاسم لأنها :
(كتبت باليد وبخط عربي جميل ، في مختلف مواضيع الإبداع الإنساني، مؤلفات في الطب والهندسة والرياضيات والأدب )، ومن أشهرهم: «ابن سينا وأبو بكر الرازي، وابن خلدون». هذه المقدمة جزء من عمل كبير يقوم به الباحث، الذي نراه دائماً يسعى إلى المكتبات العامة والخاصة، أو دور النشر التي تهتم بالمخطوطات، أو بعض المكتبات التي تعتني بالقديم من الكتب، يُدقِّق ويسأل عن مصير الآلاف من تلك المخطوطات، وكيف تمَّ تهريبها للغرب، وبأي وسيلة تم نقلها ، مواجهاً هؤلاء الذين لا يهمهم غير الكسب المادي .. مهما أدَّى من خسارة علمية وفكرية لأوطانهم . ومؤكداً على عمق دور الإنسان الذي يلجأ إلى العقل والمنطق في رؤيته الأدبية والفكرية. وكل ذلك بمجهود شخصي .
(منقول)