الثلاثاء، 19 فبراير 2013

فداك نفسي يا أمي


يوم من كل أسبوع يكون لي زيارة إلى مستشفى الأورام بالرياض ،يوم عن كل يوم،يوم يحكي مآسي لا تنتهي ، يوم تجتمع فيه الآهات و الدموع مع الذكريات، يوم نستشعر بعظمة الله في خلقة وبأنه قادر على كل شي... عندما أزور تلك الأماكن ينتابني شعور وإحساس غريب...  أشعر أن ملك الموت بين تلك الممرات .. وبين طبقات المستشفى.. فتصيبني رجفة وخوف .. ليس على نفسي ..بل من فقد أحبابي.. أستشعر بأنفاسهم المطاردة وألاحق أعينهم الباهتة... ودقات قلبي تصارع دقات قلوبهم المتعبة ..فأرفع يدي إلى السماء وأقول اللهم اشفهم وعافهم وآجرهم يارب انك سميع مجيب الدعوات... دخلت عليها غرفتها بعد أن مررت بأكثر من غرفة قبلها، كنت أتمنى عندما أدخل إليها أن أجدها مفتوحة العينين ..لا أدري لماذا؟؟ لكنى اشتقت لرؤية لون عينيها من جديد، ولسماع همسات صوتها الضعيف، فسمع الله دعائي وأكرمني بتحقيق مطلبي.. فوجدتها على السرير الأبيض... رحبت بي بصوت مخنوق اقرب للهمس .. حروف غير واضحة ..لكن ابتسامتها الباهتة ومحاولتها تقبيل يدي جعلني أتهاوى بجانب سريرها... فخنقتني العبرة.. واستدرت عائدة إلى الخلف علها لا ترى دموعي،  لأني أردتها أن تبقى قوية كما هي، لتستطيع إكمال حربها ونضالها ضد المرض الفتاك .. وبجانب السرير من الطرف الآخر كانت والدتها التي رحبت بي وأحاطتني بحفاوتها المعتادة... كنت أرى امرأة  قوية صابرة مؤمنة غير جازعة، خاصة أنها كانت على علم أن ابنتها في أيامها الأخيرة حسب إفادة الأطباء- والأعمار بيد الله- سألتها عن حال الحبيبة ... فقالت بجزم وقوة وإيمان الحمد لله، وين كنا وأين أصبحنا، أنها بخير بفضل من الله... تأملت الأم وجه شاحب ومع ذلك مبتسم، وكأن هذا الهم أضاف سنوات أخرى إليها .. كانت غير ملامة لأن التي على السرير الأبيض ابنتها التي حملتها ووضعتها وربتها وحمتها بين أضلعها وروتها من ماء عينيها ...كنت أتسلل بنظراتي إليها وهي تتأمل ابنتها في حنان ولهفة وكان حال قلبها يقول –له ما أعطى وله    ما أخذ - فسبحانه الذي لايغفى ولاينام ..وبين لحظة وأخرى ونحن نتسرى بالحديث هنا وهناك..تعود  فتتحدث عنها بحب وعاطفة محروقة ...وتلمع عيناها بدموع ساخنة وكأن بركانا من الألم يحرق صدرها ...ومع ذلك صابرة ...تقول لي ..في همس أقرب إلى لغة الإشارة ... "وصل المرض إلى القلب ..وأخبرني الأطباء أن وفاتها بأي لحظة ومن الممكن وهي حتى تتحدث إليك أو نائمة أو في لحظة ألم" ... قالتها ودموعي رفضت الكفاف ..قالتها وقلبي انتزع انتزاعا...قالتها وكأنها تريد أن تعزي نفسها..عجزت عن قول شي يواسيها ..أو حتى يواسيني أنا ...نظرت إليها بعمق واحتويت يديها بين يدي ومن ثم عانقتها عناق  حار عله يخفف من حزنها أو حتى يواسيها.. لم يقطع سيل أفكاري إلا صوت ينادي ..ماما .. استفاقت ابنتها وهرعت إليها نعم حبيبتي ماذا تريدين.. لكنها لم تنطق نظرت إلى أمها ..وعادت للنوم ..كأنها تريد أن تتأكد من وجودها إلى جوارها.. انتهت الزيارة وودعت الأم الصابرة الحنونه الرائعة على وعد بزيارتها في المرة القادمة بإذن الله ..وعيناي تشمل تلك الصغيرة بنظرات الرحمة والرأفة ..  ولسان حالي يردد فداك نفسي يأمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق